لقد تأصل الإنجيل في العالم في المواضع التي ارتوت بدماء الشهداء، وقبل أن يقدر إنسان أن يقدم حياته من أجل الكلمة، لا بد أولاً أن يحيّا حياته من أجل كلمة الله. ومن الطرق التي يدرب بها الله خدامه هي أن يضعهم في مراكز تافهة وبسيطة. حيث تترجم رغبتهم في خدمة المسيح إلى خدمتهم العملية للآخرين. وقد كان اسطفانوس إدارياً ممتازاً وصاحب رسالة، قبل أن يصبح شهيداً، وكان اسطفانوس إلى جانب حسن إدارته وحكمته، خطيباً مفوهاً بليغاً، فعندما قوبل اسطفانوس بجماعات مختلفة من المعارضين كان منطقه في الرد عليهم مفحماً ومقنعاً، وهذا واضح من الدفاع الذي أدلى به أمام المجلس السنهدريمي. فقد عرض موجزاً لتاريخ اليهود متخذاً منه تطبيقات قوية أصابت مستمعيه في مقتله, ولا بد أن اسطفانوس كان يعلم، وهو يعرض دفاعه، انه ينطق بحكم الموت على نفسه. ولم يقدر أعضاء المجلس المجتمعون أن يحتملوا كشف دوافعهم الشريرة، ولذلك رجموه بالحجارة حتى الموت، بينما كان يصلي طالباً لهم الغفران. وتبين كلماته الأخيرة كيف صار شبيهاً بالمسيح في وقت قصير. وقد كان لموت استفانوس أثر فعال مستمر على الشاب شاول ( بولس ) الطرسوسي الذي تحول من مضطهد عظيم للمسيحيين إلى واحد من أبطال الإنجيل العظماء الذين عرفتهم الكنيسة. ان حياة اسطفانوس تحد مستمر لكل المسيحيين. ولانه كان أول من مات شهيداً من أجل الإيمان.
كانت الحياة المسيحية في اسطفانوس بسيطة. خالية من التكلف والتصنع، ومن الأهمية بمكان كبير أن أول شهيد وأبرز مسيحي في العهد الجديد كان علمانياً. لم يكن اسطفانوس واحداً من ( الاثني عشر ) بل واحداً من ( السبعة ). ان اسم اسطفانوس يعني ( تاج ) أو ( اكليل ) وليس من السهل ان نعلم الكثير عنه خارج ما كتب في سفر أعمال الرسل.
هو أول جندي من جنود المسيح فاز بالتاج أو الاكليل، فما أسرع ما نراه كومضة من النور الباهر في احشاء الظلام. أو كالبرق الذي يلمع في الليل الحالك، ويترك نوره أثراً في الكيان والذاكرة، مع انه مر بالتاريخ والكنيسة مثل هذه الومضة، إلا ان وهج حياته القصيرة. عاش ويعيش خالداً على مدى مر الأيام .
ان أهم الأعمال والصفات الشخصية والنقاط الأساسية التي تميز بها الشماس اسطفانوس هي كما يلي :
1 - إنه الرجل الذي جعل قيمة لما لا قيمة له :
ليس المهم ماهية العمل بل الكيفية التي تعمل بها. أي الروح التي تشتغل بها. في وسعك ان تقوم بالعظائم بطريقة صغيرة، وبالصغائر بطريقة كبيرة. كان اسطفانوس عظيماً ليس في ما قام به من أعمال بل في الكيفية التي عمل بها. فالروح التي تقوم بها بعمل ما، هي العبير الذي يحيط بالعمل، ويجعل للعمل رائحته الزكية أو الرديئة.
كان عمل اسطفانوس ( خدمة الموائد )، ولكنه قام بعمله بطريقة جعل فيه ( خدمة الموائد ) أقرب شيء لمائدة الرب. أي ان تلك الموائد ضمت حولها اناسا مختلفي القوميات لياكلوا خبزاً أصبح في آخر الأمر بمثابة خبز الحياة. كان اسطفانوس شماساً فصار شعلة نوراً لجميع الأجيال ولا سيما في امور الحياة العادية.
2 - كان مستقيماً :
عندما كان اسطفانوس يبصر يتيماً ينحني عليه في رقة وحنان، ولا يرى أرملة تبكي، دون أن تذرف عيناه دموعاً لتعاستها وآلامها، ولا يمكن أن يبصر جائعاً يتلوى من الجوع دون أن يطعمه ويشبعه.
كان اسطفانوس مستقيماً، ونـزيهاً، وعل حد قول سفر الأعمال " مشهوداً له " ( 6 : 3 ) وهذه صفة جوهرية. لان ما من شيء يعوض عن النقص في الاستقامة والسمعة، وما من مقدار من ( الفضائل الخيالية )، أو ( الروحانية الخيالية ) يمكن ان يحل محل الخلق البسيط المستقيم.
ان السؤال الأهم حول خلق أي انسان. هو هل ثمة ظروف يمكن ان يكذب فيها هذا الإنسان ؟ ان كان الأمر كذلك فالمعنى ان هناك دودة تنخر قلبه. أم قال يسوع : " ان لم تكونوا أمناء في مال الظلم فمن يأتمنكم على الحق ؟ " ( لوقا 16 : 11 ).
3 - كان مملوءاً بالايمان والقوة :
ان شجرة حياة اسطفانوس تمد اصولها إلى الينبوع، عند مجاري المياه، فإذا رأيت فيه الجمال كل الجمال، وإذا رأيت فيه الاخضرار كل الاخضرار، وإذا رأيت فيه البهاء كل البهاء، فالسر أنه لم يأخذ قليلاً من الروح القدس، أو جدولاً ضحلاً من الملء الإلهي، بل أخذ الملء كله. إن كل مؤمن يأخذ من الله شيئاً، لكن الفرق بين مؤمن ومؤمن، هو الفرق بين من يسكن فيه روح الله ومن يمتلئ بروح الله.
نلاحظ كيف جمعت ( الإيمان والقوة ) معاً. ان ( الإيمان ) يأتي أولاً و ( القوة ) هي نتيجة جانبية للإيمان. فان طلبت القوة أولاً فانك لن تجدها. لان ذلك يعني انك انت نقطة الارتكاز وتريد القوة، والمرجح انك تريد القوة لتستخدمها في دعم نفسك. وقد تضع الصبغة ( الروحية ) إلى جانب القوة. في قرارة نفسك تكمن رغبتك في أن تحتل أنت المركز الحساس وتكون ذلك الرجل الذي يستخدمه الله على نطاق واسع.
اما ان كنت تطلب ( الإيمان ) أولاً فعندئذ تكون حياتك متمركزة في الله، لا في ذاتك أي انك تتوق إلى نعمة الله وتطلبها، وتجلس عند موطئ قدميه ولا تريد سواه، ثم تأتيك ( القوة ) من الله كنتيجة فرعية لموقفك هذا، فالذين يطلبون القوة لا يجدونها.
أما الذين يطلبون الله أولاً وآخراً ودائماً فانهم يجدونه. ويجدون القوة أيضاً، ومتى اعطيت القوة تستخدمها لاغراض الملكوت، وليست لاغراضك الخاصة. يستطيع الله ان يهب القوة فقط للنفوس الخاضعة المستسلمة التي أفلست من ذاتها، واية قوة روحية اخرى هي مجرد قوة بالكلام لا بالحياة
قال يسوع : " تنالون قوة " فقط عندما تكونون " شهوداً لي " وليس لانفسكم، وما الإيمان إلا أن يطل المرء ببصيرته ويتشدد لأنه يرى من لا يرى، هو انطلاق الرؤيا إلى العالم الأسمى والأعظم والأجمل، العالم الأبدي، وكان اسطفانوس يعيش مع هذا العالم وبعمق في حياة الإيمان. لقد رأيناه في اللحظة الأخيرة يرى السماوات مفتوحة، ولنا أن نتأكد تماماً أنه عاش وعينه على الدوام مفتوحة على العالم الأبدي !!. كما قال المرنم : " ارفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني ".
4 - كان ممتلئاً روحاً وحكمة :
المسيحي الحقيقي يملك ( الروح ) و ( الروح ) يملك المسيحي. كثيراً ما اجد نفسي اصلي هذه الصلاة ( يا رب، اني لك ) تتخلل صلواتي كاللازمة، ومتى صح ذلك حلت كل عقدة ومشكلة، فلو كنا نحن مسؤولين عن انفسنا، لكنا كالأرغفة الخمس والسمكتين بين يدي غلام. أي غير أكفاء، ولكن اذا وضعنا انفسنا بين يدي يسوع نكون تلك الأرغفة الخمسة والسمكتين ذاتها، ولكن أكفاء لجمهور كبير. ان الحياة الروحية التي توجها الحكمة كثيرة الفائدة. ام اذا وجهتها الغباوة فانها مصيبة، هناك بعض لهم روح دون حكمة، وبعض لهم حكمة دون روح، وكلاهما ضعيف. اما متى جمعت الحكمة والروح معاً فانهما يجعلان المرء مسيحياً بالحق. يقول سفر الاعمال انهم اثناء النقاش " لم يقدروا ان يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم بهما استفانوس " ( اع 6 : 10 ).
كانت روح اسطفانوس والروح القدس ممتزجين، وما ذلك إلا من الامتيازات التي ينعم بها المسيحي المؤمن. أعني انه يستطيع ان يسمو بجميع طاقاته بواسطة الروح القدس، ومعنى ذلك ان شيئاً جديداً يضاف الى حياته بحيث يصبح كل ما يقوله ويفعله ذا وزن ( اضافي ).